تحت شعار “دار العجب”تحف فنية نادرة من العالم تضيء زوايا متحف “الماما” بالعاصمة عودنّا متحف”الماما” بالعاصمة على احتضان معارض فنية كبرى وهامة، كاستضافته للمهرجــان الدولي الأول للفن المعــاصـر
في نوفمبر 2009، ومهرجان دولي ثاني خصصّ للفنان التشكيلي محمد إسياخم، وغيرهــا من المعـارض التي تتنـاسب وقيمته
كصرح ثقافي. وها هو اليوم يستقبل روائع يفوح عبقها من تاريخ البشرية يمثّلها معرضـا بعنوان “دار العجب” يضم مجموعة
خاصة وفريدة للأستاذ “سليم بيشة” هاوي جمع التحف الفنية من مختلف أنحاء العالم، وهبها لوزارة الثقافة ومتاحفهـا الوطنيــة،
حسب تخصصها.
يضم المعرض تشكيلة منوعة من التحف المعروضة تمتد إلى قرون غابرة وتعبر عن الحضارة البشرية. وعلى ضوء هذا الكنز
الثمين ارتأت “الفجر” أن تقوم بجولة داخل المتحف وتنقل ما حمله المعرض الذي جاء تحت عنوان “دار العجب” بكل تفاصيله،
وترصد أسرارا تعكس تاريخ البشرية بما فيه من تطلعات وتطور على مستوى الحضارة، الصناعة الحربية، الابتكار وكذا على
مستوى مقاليد الحكم التي تدلّ على نماذج من السلطة كالممالك والإمبراطوريات، إضافة إلى إبراز وسائل وكيفيــة العيش لعديــد
الشعوب في العالم من القارات الخمس. والملاحظ أنّه رغم التفاوت والتباين في طريقة العيش الإنسـانية إلا أنّ الصــورة الحقيقية
التي تبرزها الأشياء المعروضة هو ذاك التقدم الذي شهده البشر، حيث كانت البداية بتقنيــات بسيطة وبدائيــة غير أنهّــا تغيرت
مع مرور الزمن بمختلف بلدان العالم.
الزرابي تعبّد أرضية “الماما”بداية الجولة في أروقة المتحف كانت من فضــاء أرضي مخصص للــزرابي العربيــة والفــارسية والتركية التي يقــارب عددهــا
الإجمالي 500 زربية، تعود صناعتها إلى عدة قرون وآخرها القرن الـ19، حيث تمت صنــاعتها بمجموعــة من الأقمشـة على
غرار الصوف والقش الذي يشكل أبرزها، وهو المادة الأساسية الذي اعتمدت عليها هذه البلدان كتركيا وإيــران والجــزائر، التي
تعد ثلاثي رائد في نسج زرابي بهية الألوان وذات رسومات منوعة الأشكال جسدّت في غالب الأحيان صور الإنسـان والطبيعة
وبعض الرموز التي تعبّر عن خصوصيــة كل شعب، على غــرار مــا ضمّته زربيــة من بــلاد أصفهــان بإيــران يعود زمنهــا
إلى القرن 18، وأخرى يطلق عليها اسم “حيريز” تختلف عن الزربية العادية من حيث نوع القماش والمادة الملســاء المركبــة
لها، كما حيكت خياطتها في بلاد الأناضول والفرس خلال نهاية القرن 18. وتحتل الزربية الجزائرية الصدارة من حيث التنوع
باعتبار انتمائها لعدد من المناطق الجزائرية، منها منطقة القبائل والشرق الجزائري، لاسيما الأوراس.
تحف من القارات الخمس..يترامى في أطراف أجنحة وجدران الطابق الأوّل لمتحف “الماما”، نتاج جهد بـذل في عقديــن من الـزمن كـان كافيــا لأن يجمــع
طواله الهاوي سليم بشة، في تنقلاته الكثيرة لأرجاء المعمورة، زهاء 600 قطعة فنية منوعة بين القطع الأثريــة، والمنحوتــات،
مزهريات فخارية من آسيا ذات طلاء أزرق، تماثيل، حلي، قطع جنـائزية عمرهــا 25 قرنــا، عمــلات نقدية برونزيــة قــاربت
4000 قطعة و50 قطعة ذهبية تنتمي إلى أزمنة متغــايرة وأمكنــة متمــايزة من الجهــات الأربـع للقــارة، بالإضــافة إلى بــاقة
من البنادق مختلفة الأحجام بين بنادق الصيد وتلك التي يستخدمها الثوار والمحاربون في ساحات القتال، ومسدسات قديمة صغيرة
ومزركشة بألوان فضية وذهبيــة ذات صــلابة وقوة تنّم عن تفــاني شعــوب تلك الحقبــات التــاريخية على العمــل وتقديس القتـال
والإغارة على القبائل.
كما يمكن لها أن تعبر عن تطور الصناعة آنذاك شيئا فشيئا،والدليل اختلاف البنادق والأدرع الهندية المعروضة والسيوف العربية
والأوربية التي تعود إلى الفترة الفينيقية. وفي السيـاق يضم المعــرض جانبــا من الصناعة الفخــارية والأواني وخصوصــا تواجد
طاحونات حجرية من كوستاريكا، تعكس العصر الحجري الحديث، وعلب مصنوعة من العاج لدولة إيران، ناهيك عن مخطوطات
عربية تمزج بين المصاحف، والكتب في شتى المجالات نذكر منها الجغرافيا والتاريخ.
“بوذا” بمتحف المامايلفت الزائر إلى هذا الجناح حضور كبير للتماثيل مصنوعة من مـواد مختلفــة وتنتمي لفتــرات مختلفة، أبرزها التي ترمــز للحقبة
الفينيقية، حيث وضعت على رفوف كثيرة، فنجد تمثالا صغير الحجم لـ”بوذا” مصنوع من المعدن الصلب يعبر عن أحدى الآلهات
بآسيا، وكذا تمثال آخر مصنوع من الفخار جلب من المكسيك، إلى جانب نحت لآلهـة من الخشب وحصــان فخــاري وأسد حـامي
للأسرة الحاكمة وقتها بالصين الشعبية أو بما يعرف بـ”الكينغ”. وللتجربة العربية والإفريقية نصيبهــا من خــلال عرض أجســام
لأسماك مستحثة، وحجارة كلسية وأصداف جميلة من لبنان، وآلة توثيق وأقداح فخارية من مالي ونيجيريا.
“حوار” إسياخم و“الحمامة الطائرة” لبيكاسوخصص فضاء الطابق الثاني لأشياء يومية وأعمال تشكيلية لفنانين بين بدائية ومعــاصرة، اجتمعت كلهــا وتضــافرت دون صــدام
حضاري أو زمني، من البسيطة إلى الأغلى قيمة. ففي جناح الفن التشكيلي لوحات الفنانين محمد اسيــاخم “حــوار” باللــون الزيتي
على القماش، لوحة “أدما موريزو” بدون عنوان، لوحة بوخاتم فارس “البنت الخضراء حاملة البـاقة” مرسومــة بالتقنيـة المختلطـة
على القماش، لوحة الحمامة الطـــائرة لـ”بابلو بيكــاسو”. كما أنّ للخط العــربي نصيبه ممثــلا في لوحــة محمد راسم في الــزخرفة
على الورق، ولوحة “محسن باهرزادة” تضم آية قرآنية، لوحة “رضـا بدرو ســامة”، ولوحــة حسين فلاحي، إضافة لمخطوطــات
تضم كتبا في علم الفلك وميادين أخرى. يمكننا القول في ختــام هذه الجــولة التي قادت “الفجــر” إلى أروقة المتحف، أنه استطــاع
من خلال هذا المعرض الغوص في تفاصيل الأشياء ليقدم للزوار تحف تليق بالمكــانة التي يحتلهــا هكــذا متحــف في العــالم، أيـن
يجتمــع الفن بالفنــانين والإبــداع بالمبدعيــن، ســواء من أهل الاختصــاص أو من عشــاقه من عامة الجمهور، لكن متحف”المــاما”
بالعاصمة لازال يستقطب منذ افتتاحه فئة قليل من الجمهور فيما يعاني من تواصل وشح لتـواجد المثقفيــن والمبدعيــن الجزائرييــن
الذين لا يزورون لا المتاحف ولا المعارض ولا الندوات، عدا تلك التي تبرمج وتخصص لهم.
جريـــدة الفجـــــــر
2013.04.01