"متحف المنطار" يروي التاريخ الفلسطيني يتربع متحف ومنتجع المنطار التراثي كقلعة شامخة على قمة جبل المنطــار شرقي مدينة طولكرم وعلى مساحة اربعة عشر دونمـا
من اراضي المدينة.
في كل زاوية من المنتجع والمتحف تتسابق مئات القطع الاثرية والتراثية لتروي قصصا بعضها يعود بك بالزمن لأكثر من مليون
سنة وكأنك تقرأ كتابا تاريخيا.
حصل الفلسطيني بســام بدران على القطع الاثريــة هذه خلال عمليات بحث متــواصلة منذ عــام اثنين وسبعيــن من مختلف المــدن
الفلسطينية، هدف السيد بدران اثبات هوية و ارتباط الشعب الفلسطيني بهذه الارض منذ آلاف السنين، على حد تعبيره .
وقال بسام بدران صاحب متحف ومنتجع المنطـار لبي بي سي: "أنا من خلال جمعي للتــراث أريد أن اثبت أن الشعــب الفلسطيني
عاش ويعيش وسيعيش على هذه الارض، التراث هو السلوك اليومي للانسان الفلسطيني على أرضه."
وأضاف السيد بدران: "لقد تخصصت بالتراث الفلسطيني الممتد ما بين الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية لأنه في هذه
الحقبة الزمنيـة تكمــن القضية الفلسطينية، مــا قبل ذلك التاريخ كــانت الاراضي الفلسطينيــة من ضمن الامبــراطورية العثمــانية ".
وقد شغل السيد بدران أو كما يطلق عليه أهالي المنطقة "أبو جيفارا" مناصب عدة لا يــزال يعمل في بعضها مثل كونه عضوا في
الهيئة الادارية لجمعية رجال الاعمال الفلسطينين، فيما عمل أبو جيفارا عضوا في الطواقم الفنية للمفاوضات الفلسطينيـة الاسرائيلية
في مدريــد عــام واحد وتسعيــن. وكــان السيــد بدران قد ولد في قريــة دير الغصــون قــرب مدينة طولكــرم عام ثمانية واربعيــن.
فلسطينيون "على متن سفينة التايتنك "
تحتوي زوايا المتحف قطعا نقدية وأوراقا بنكية يعود تاريخها الى الثلاثينيــات من هــذا القــرن، تم التــداول فيها في بنــوك عربيــة
وفلسطينية عملت لدى دولة فلسطين في حينه.
وتضم أقسام المتحف الثلاثة كذلك زاوية وضع فيها جوازات السفر وهويات لفلسطينيين عاشوا في هذه الارض وعملوا في مجالات
الزراعة والتجارة وسافروا من مطار فلسطين الدولي الى مختلف انحاء العالم،
ويوجد في المتحف مجلة قديمة بريطانية حملت عنوان "أخبار الحرب" وصــدرت في عام أربعـة وأربعيــن، إحدى صفحات المجلـة
تروي قصة برتقال مدينة يافا الذي كانت "فلسطين" تصدر منه ما بين عشرة الى خمسة عشرة مليون صندوقا سنويا لمختلف أنحاء
العالم، حيث عمل الفلسطينيون في ذاك الوقت في مجال الزراعة والتجارة ولذلك طــافوا مختلــف انحاء العالم، على حد تعبيــر المجلة
البريطانية.
استوقفني في أحد زوايا المتحف جرس حديدي قديم *** عليه عام "1912" وعندما سألت عن قصته أجابني السيد بدران أن هذا
الجرس يثبت أن على متن سفينة التايتنك البريطانية كان هناك مجموعة من التجار الفلسطينيين غرقوا كغيرهم ممن كانوا على متن
السفينة عام 1912 خلال رحلتها في المحيط الاطلسي متوجهة من لندن الى نيويورك .
وأضاف السيد بدران لبي بي سي :" عندما علم أهالي التجار الفلسطينيين عن غرق ابنائهم على متن سفينة التيتا*** أقاموا لهم تأبينا
وصنعوا لهم خمسة أجراس، هذا الجرس واحد من الاجراس الخمسة، ومنحوا هذه الاجراس لمدارس أبنائهم لتقرع كل صباح احيـاءا
لذكرى من ماتوا على متن سفينة التايتنك ".
ويشهــد المتحــف حركة سيــاحية تنشط في فترة الصيــف، ورغم قلة الزائريــن في فصل الشتــاء، فاننا التقينا أحد زائري المتحــف
الفلسطينيين الذي قــال لنا :" مقتنيــات هذا المتحــف تثبت وجود الفلسطينيين على هذه الارض منذ ألاف السنيــن، بعض المقتنيــات
في المتحف فاجأني لكنه في ذات الوقت أشعرني بالسعادة البالغة لكونه يثبت الهوية الفلسطينية على هذه الارض."
مصاعب
يؤكد الفلسطيني بسام بدران إنه واجه مصاعب كثيرة خلال جمعه لمقتنيات هذا المتحف، فعدا عن كلفتها المادية التي تقدر بأكثر من
مليون ونصف دولار فإن البحث عنها تطلب في بعض الاحيان السفر لدول أخرى، اضافة الى اشكالية سرقة العديد من الاثار وجهل
البعض بقيمتها التاريخية أو في التعامل معها.
ويبدو أن هذه الاشكالية لم تواجه السيد بدران وحده بل قطاع الاثار الفلسطيني بشكل عام، فقد أكــد مدير المتــاحف الفلسطينيــة في
شمال الضفة الغربية خالد الهمشري أن هناك مصاعب ومضايقات تشهدها المتاحف الفلسطينية في مختلف مدن الضفة الغربية.
وقال الهمشري لبي بي سي :" الاحتلال الاسرائيلي يضايق حركة انشاء المتــاحف ويضع صعوبــات امامهــا، ذلك ان الالاف بل
عشرات الالاف من القطع الاثرية تمت مصادرتها من قبل الجيش الاسرائيلي، وتم وضعها في المتــاحف الاسرائيليــة التي تتكدس
فيها آلاف القطع الاثرية التي نهبت من الاراضي الفلسطينية."
ذكرى خاصة بصاحبها
تعرض أحدى زوايا متحف المنطار مجموعة من الكراسي الخشبية المصنوعة من أشجار زيتون اقتلعت عام ألفين وستة من أراضي
قرية دير الغصون وهي مسقط راس السيد بدران عام ثمانية وأربعين.
اشترى "ابو جيفارا" قطعة حجرية من بقايا جدار برلين في ذكرى سقوطه، وحملها معه الى المتحف ووضعها بين الكراسي الخشبية
في محاولة منه لتذكير العالم بأسره بذكرى بناء الجدار الاسرائيلي على أرضه، لتكون هذه القصة حاضرة في ذكرى من يزور متحف المنطار.
ويشير السيد بدران الى أن الهدف من إنشاء المتحف هو تكريس هوية الاجداد واثبات الحق الفلسطيني في هذه الارض، كما يأمل في
ادراج متحفه على قائمة التراث العالمي في منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة.
بي بي سي
2013-01-05