التاريخ الإسلامى و الحضارة الإسلامية د. أحمد شوقى إبراهيم العمرجى
أستاذ م التاريخ الإسلامى و الحضارة الإسلامية
كلية الآداب – جامعة أسيوط التاريخ مرآة الشعوب , و حقـل تجـــارب الأمم , فى صفحـــاته دروس و عبر للمتأملين , لأنه نتـــاج عقول أجيـــال كاملة ,
و الأمة التى تهمل تاريخها لن تحسن قيادة حاضرها و لا صياغة مستقبلها.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقى :
أقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
و يرى المؤرخ البريطانى ( أرنولد توينبى ) أن الذين يقرءون التاريخ ولا يتعلمـون منه , أناس فقدوا الإحســـاس بالحيـــاة
و أختاروا الموت هربا من محاسبة النفس أو صحوة الضمير و الحس .
إن منهج التــــاريخ الإســـلامى و تفسير حــوادثه يعتمد فى أصوله على التصـــور الإســـلامى , و يجعـل العقيدة الإسلاميـة
ومقتضياتها هى الإساس فى منطلقاته المنهجية و فى تفسير حوادثه و الحكم عليها .
لقد كان للمسلمين سبق عظيم فى كتابة السيـر و تاريخ الحياة , و كــانت السيـــرة النبوية أقدم ما حــــاول الأولون تدوينـــه
لروايته للأجيال و الإنتفاع به , ثم إتسعت هذه الدراسة فشملت الخلفاء الـراشدين و الصحـــابة , و المحدثين , ثم مشـــاهير
العلماء و الفقهاء و غيرهم , ثم ظهرت مؤلفات تشمل ترجمات لأهل كل صناعة أو علم , و طبيعى أن المسلمين لم يقنعوا
بمعرفة أفكار الأوائل من البشر و لكنهم اتجهوا بعنايتهم إلى الإحاطة بالسلوك الراقى و القيم الأصيلة فى الإسلام .
إن دارس التاريخ الإسلامى إن لم يكن مدركا للدور الذى يلعبه الإيمان فى حياة المسلميـن فإنه لا يستطيــع أن يعطى تقييمــا
علميا لأحداث التاريخ الإسلامى .
و الواقع أنه على الرغم من أن الإسلام يعتبر ظاهرة شرقية من حيث المولد و النشــــأة , إلا أن أثـــره فى تـــاريخ الغـرب
الأوربى و حضارته ظل عظيما , بحيث لا يمكن تتبع تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى , و جذور النهضة الحضــارية
التى أدت إلى نقل العالم الأوروبى من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة دون ذكر أثر الإسلام السياسى و الحضــارى .
لقد كانت تلك الحضــارة النبراس الذى أهتدى به الناس فى أوروبــا و ساروا على دربه لكى يقيمــوا حضـــارتهم التى كان
أساسها الراسخ البناء الحضارى الذى قدمته الحضارة العربية الإسلامية .
و مهما يكن من أمر , فإنه لم تكد تمضى على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سبعون سنة حتى كانت الدولة الإسلامية
قد إمتدت من المحيط الأطلسى حتى المحيط الهندى , و لكن أثر العـــرب و المسلمين فى التـاريخ لم يقف عند حد التغييرات
السياسية التى أحدثوها , و إنما يبدو هذا الأثر أشد مايكون وضوحا فى الميدان الحضارى .
و منذ العقد الأخير من القرن الأول الهجرى , بدأ شعاع الحضارة الإسلاميـة يصل إلى أوروبـــا عن طريق الأنـدلس , ثم
عن طريق صقلية , و كذلك عن طريق الحــروب الصليبية , و من قبل تلك الحروب عن طريق تلك السفـــارات بين دول
أوروبا و دول المسلميين .
الحضارة الإسلامية هى العطاء و الغطاء,عطاء الأمة الإسلامية عبر العصور المتتالية فى مجالات العلوم و الآداب و الفنون
و الصنـــائع و المعارف جميعــــا , و غطاؤها الذى يحفظ إستمرارهـــا فى التجديد و الإبـــداع و يحفظ كيانهـــا من الضياع .
الحضارة الإسلامية هى نتاج لتفاعل ثقافات الشعوب التى دخلت الإسلام , سواء إيمانا و تصديقــا و إعتقــــادا , أو إنتمـــاءا
وولاءا و إنتسابا , وهى خلاصة لتلاقح هذه الثقافات و الحضارات القادمة من المناطق التى وصلت إليها الفتوحات
الإسلامية , و تم إنصهارها فى بوتقة المبادئ و القيم التى جاء بها الإسلام هداية للناس .
فالمسلمون هم الذين إخترعوا المنهج التجريبى فى أبحاثهم و نظرياتهم و كــــانوا سببا رئيسيا فى قيام الحضــــارة الحديثـــة .
وليست الحضارة الإسلامية حضارة جنس معين فتكون بذلك حضارة قومية تنتمى إلى قوم مخصوصين , و لكنها حضارة
جامعة شاملة للأجناس و القوميات جميعا التى كان لها نصيبها فى قيام هذه الحضارة .
إن دراسة ما قدمه علماء العرب و المسلميين من أفكار علمية واجب علينا ليرى شبابنا مثلا يحتذى به , لأن إحيـــاء القديم
و ربطه بالحـــاضر يعتبر من أقوى الدعـــائم التى شيدت عليهـــا الأمم كيانهــــا و أمجـــادها .
و أ خيرا , فإن ثمة حقيقة ينبغى ألا تفوتنا : و هى أن أوروبا عندما أخذت عن الحضارة الإسلامية ,كانت هذه الحضارة
تتحرك داخل إطار من المثل الخلقية , مستهدفة النفع و الخير و الصلاح و الحفاظ على القيم الروحية .
هذا و بالله التوفيق .
1- د. أحمد شلبى : إحياء التراث الحضارى الإسلامى .
2 -د. سعيد عبد الفتاح عاشور : المدنية الإسلامية و أثرها فى الحضارة الأوربية ص 8 .
3-د. عبد الفتاح الغنيمى : الإسلام و الثقافة العربية فى أوروبا , ص 8 .
4-د. سعيد عبد الفتاح عاشور : المدينة الإسلامية و أثرها فى الحضارة الأوروبية , ص 9 .
5-د. عبد العزيز التويجرى : خصائص الحضارة الإسلامية و آفاق المستقبل ص 2 .
6-د. عبد العزيز التويجرى : خصائص الحضارة الإسلامية , ص 6 .
7-د . على الدفاع : الحضارة العربية الإسلامية فى العلوم , ص 19 .