تــاريخ الحج للبيت العتيق لقد تأسست مدنية مكة المكرمة علي تشييد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام للبيت العتيق ؛ ودشن للحج بنداء إبراهيم عليه السـلام الرمزي في الناس بالحج ، وقد روت لنا كتب التاريخ والتفاسير وغيرها الكثير من الروايات عن حج الأنبياء قبل إبراهيم عليه السلام ، غير أن الروايات الموثوق بها تؤكد تواتر الحج منذ عهد إبراهيم عليه السلام إلي أن صار فريضة خص بها المسلمين . ويبدو أن اسم مكـة لم يكن معروفاً قبل إبراهيم عليه السلام (1) ، وذلك يظهر من قول إبراهيم عليه السلام حكاية عنه في قوله تعالى :
{ ربنــــا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم } .وليس لدينا أي مؤشرٍ أو دليل عن الكيفية التي كان عليها الحج قبل رفع إبراهيم وإسمــاعيل عليهما السلام للقواعد ، ولو بشكلٍ إجمــالي دون الخوض في التفاصيــل .
وإجمالاً ؛ يُستنتج من الروايات القائلة ببناء آدم عليه السلام للبيت ، أن آدم قد عرف منــــاسك الحج ، “ وأخرج عبد بن حميـــد عن الحسن والضحاك مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قيل له ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه قال علم شأن الحج فهي الكلمات “(2).
وتذهب الروايات التي أكدت رفع إبراهيم عليه السلام للقواعد وولده إسماعيل عليه السلام ، إلي أن جبريل عليه السلام قد أتي إبـــراهيم عليه السلام وعلمه مناسك الحج قبل أن يطلق دعوته العالمية بالحج في العالمين . ويروي ابن كثير في تفسيره عن مجاهد أن جبريل عليه السلام جاء إلي إبراهيم عليه السلام بعد أن أتم رفع القواعد ؛ و “ أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا قــال هذا من شعائر الله ثم انطلق به إلى المروة فقال وهذا من شعائر الله ثم انطلق به نحو منى فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة فقال كبر وارمه فكبر ورماه ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى فلما جاز به جبريل وإبراهيم قال له كبر وارمه فكبر ورماه فذهب الخبيث إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئاً فلم يستطع فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام فقال هذا المشعر الحرام فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به عرفــات قال قد عرفت ما أريتك قالها ثلاث مرات قال نعم “(3).
كما روي ابن كثير رواية أخري في هذا السياق عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما : “ قال إن إبراهيم لما أرى أوامر المناسك عرض له الشيطان عند المسعى فســــابقه إبراهيم ثم انطلق به جبريــل حتى أتى به منى فقال هذا مناخ الناس فلما انتهى إلى جمــرة العقبة تعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أتى به إلى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب فأتى به جمعا فقـــال هذا المشعر ثم أتى به عرفة فقال هذه عرفة فقــال له جبريـــل أعرفت “(4).
وظل الناس يحجون علي تلك الطريقة التي عرف بها إبراهيم عليه السلام المناسك ، كما بينا في الروايات السابقة ، وكذلك كان إسماعيــل عليه السلام وأبناءه ، ومن سكن البيت معهم من جرهم ، ومن آتاه حاجاً في زمـــانهم ، إلي أن تبدلت الأمور بتعاقب السنيــن ، وخفي عن الناس أصل نسكهم والغاية منه ، واتخذوا من الحجارة أصناماً ، لأسبـــاب متعددة ، إلا أن قصد البيت العتيق الذي هو المعني اللغوي للحج (5)ظل جارياً في موسم سنوي ، فيقصده من كان حنفياً ـ علي دين إبــراهيم عليه الســـلام ـ ويقصده الأعراب من كـــافة بقـــاع الأرض .
والعرب في الجاهلية ؛ كما يقول جواد علي في مصنفه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” ؛ كانوا على أديان ومذاهب ،فمنهم من آمن بالله ، ومنهم من آمن بالله وتعبد للأصنام تحت زعم أنها تقربهم من الله ، ومنهم من تعبد للأصنام زاعماً أنها تضر وتنفع ، ومنهم من دان باليهودية والنصرانية ، ومنهم من دان بالمجوسية ، ومنهم من توقف ، فلم يعتقد بشيء ، ومنهم من آمن بتحكم الآلهة في الإنسان في الحياة فقط ، وببطـــلان كل شيء بعد المــوت .
فرغم مظاهر الشرك التي سادت شبه الجزيرة العربية ؛ ظـل الحج في موسمه ، لكن كعادةٍ أو تقليد ؛ فالدين في اللغة : هو العادة والشأن ، وكما تقول العــرب : ما زال ذلك ديني : أي عادتي ، والديـــن قد يكون في كلامهم أيضاً بمعنى الطاعة والتعبد ؛ فمنذ العصــر الجرهمي والعربي حريص علي أداء مناسك الحج (6)في وقتها المعلوم ، فقد ميز الشهر الذي يكون فيه الحج عن أسماء الأشهر الأخرى باسم “ذي الحجة” ، وباسم “شهر الحج” ، وكما يذكر جواد علي في “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” أن النصوص الجاهلية أوردت اسم شهر يعرف بـ “ذ حجتن” ، أي : “ذي الحجة” ، “ فكل الأفعال الدينية القديمة لها تجسيد مادي ، وهو أمر لم يترك لاختيار العابد ، بل تحكمه قواعد محددة ، فهي لا تمارس إلي في أماكن محددة ، وفقاً لآليات محددة “(7)، ومهما كانت العقيدة التي يدين بها العربي فإنه كــان يأتي البيت ؛ كمــا تقول أبكــار السقــاف :
“ من أعماق الصحاري وأطراف البوادي كان العربي في غضون هذا العصــر يقبل ساعياً يسعى بالبيت ويطوف به سبعــاً تتركه العقيدة بأنه إنما قد أقبل للإله زائراً ومن ثم كان حرصه علي أداء أصول الزيارة .. ولما كانت أصول هذه الزيـــارة تنحصر في إتبــاع مــا قد شرعه السلف من شعائر تنحصر في الإحرام والوقوف بعرفة والمزدلفة وهدي البدن وسائر المناسك حتى المناداة والتلبية فقد كان العربي يحرص علي القيام بأداء هذه الأحكام التي كان يختتمها بالتهليل وبالتلبية التي تحتم عليه ، إذا كان صابئاً ، أن ينادي :
لبيك إن الحمد لك *** والملك لا شريك لك
إلا شريك هو لك *** تملكته وما ملك “(8).وكان الذي غير نص التلبية في العصر القرشي ؛ هو عمرو بن لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي ، عندما تمثل له إبليس بذلك (9).
والروايات التـــاريخية تخبرنا أن موسم الحج في الجاهلية كان موسماً ثابتاً ؛ هو الربيع على رأي كثير من المستشرقين ؛ أو الخريــف على رأي المستشــرق ولهوزن ؛ وذلك بسبب ما ذكر عن النسيء ومن رغبـــة قريش وغيرها في أن يكــون في وقت محدد سنوياً . وقد ذهــب المستشرق ولهوزن وغيره إلى تعدد بيوت الأرباب التي كان يحج إليها الجاهليون في شهر ذي الحجة ، وإلى عدم حصر الحج عند الجاهلين بمكان واحد . فلم يكن الحج ؛ بمعناه اللغوي وكتقليد شعائري متبع ؛ إلى مكة وحدها ، بل كان إلى مواضع عديدة ذكر ابن الكلبي ـ كمصدر رئيسي ـ الكثير منها ، وسرد جواد علي في “المفصل” وغيره بعضها نقلاً عن ابن الكلبي والطبري وغيرهما . فكان لكل قبيلة أو مجموعة من القبائل مواضع بها أصنام يقدسونها ويتقربون إليها الحج والذبح والطواف ، وقد قدم لنا ابن الكلبي في “الأصنام” والطبري وغيرهما من الدلائل علي وجود بيوت لبعض الأصنام كان الناس يزورونها ويتقربون إليها ويذبحــون عندها ويطوفون حولهــــا ويلبّون تلبية الصنم الذي يطوفون حوله . مثل بيت اللات في الطـــائف ، وبيت العــزُى على مقربة من عرفـــات ، وبيت مناة ، وبيت ذي الخلصة ، وبيت نجران ، وغيرهـــــــــــا .
وكذلك اختلفوا في التلبية كما اختلفوا في الإهلال بالحج ، فقريش كانت تلبيتهم:
“ لبيك اللهم لبيك ،لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك “. وتلبية من أهل من العزى هي :
“ لبيك اللهم لبيك ، لبيلك وسعديك ، ما أحبنا إليك “. وتلبية من هــل من الات هي :
“ لبيك اللهم لبيك ، لبيك كفى ببيتنا بنية ، ليس بمهجور ولا بلية ، لكنه من تربة زكية ، أربابه من صالحي البرية ” . وكانت تلبية من أهل شمس هي :
“ لبيك اللهم لبيــــــك ، لبيك ما نهارنا نجره ، ادلاجه وحره و قره ، لا نتقي شيئاً ولا نضــره ، حجــــاً لرب مستقيـــم بره ” . وكانت تلبية من أهل من ود هي : “ لبيك اللهم لبيك ، لبيك معذرة إليك “. وتلبية عك ، أنهم كَــانوا إذا بلغوا مكة ، يبعثون غـــــلامين أسودين أمامهم ، يسيران على جمل ويقولان : “ نحن غرابا عك “. وإذا نادى الغلامان بذلك صاح من خلفهما من أهــــل عك : “ عك إليك عــانية ، عبادك اليمــانية ، كيما نحج الثانية ، على الشداد النــاجية “.
ويستعد الجاهليون للحج عند حضورهم موسم سوق عكاظ . فإذا انتهت أيام السوق ، وأراد منهم من أراد الحج ، ذهب إلى مجنة ، فأقام بها إلى هلال ذي الحجة ، ثم رحل عنها إلى ذي المجاز ، ومنه إلى عرفة ، فإذا كان يوم الترويـة ، تزودوا بالماء وارتفعــــوا إلى عرفة . هذا بالنسبة إلى التجار ، الذين كانوا يأتون هذه المواضع للتجارة . أما بالنسبة إلى غيرهم ؛ كما يذكر جواد علي في “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” ؛ فقد كانوا يقصدون الحج في أي وقت شاءوا ، ثم يذهبون إلى عرفة للوقوف موقف عرفة ، ثم يلتقون جميعاً بمزدلفة للإفاضة . وكان حج أهل الجاهلية يبدأ بالإهلال ، يهلّون عند أصنامهم ، ويلبون إليها ، فإذا انتهوا من ذلك قدموا مكة ، فكان الأنصار مثــــلاً يهلون لمناة في معبده ، أي أنهم كانوا يغادرون يثرب إلى معبد الصنم ، فيكونون فيه لمراقبة هلال ذي الحجة ، فإذا أهلّوا لبوّا ، ثم يسير من يسير منهم إلى مكة ، لحج البيت . وفي العصر الجرهمي ؛ فـ “ كانت الإفاضة في الجاهلية إلي صوفة أخزم بن العاص ، وكان له ولد تصدق به علي الكعبة يخدمها فجعل إلي حبشية بن سلول الخزاعي الإفاضة بالناس من أجل نذره الذي نذر ، وكان إلي حبشية حجابة الكعبة وإمرة مكة فحينما يقف الناس في الموقف يقول حبشية : أجز يا صوفة فيقول صوفة أجيزوا أيها الناس فيجوزون ، وولي الإفــــاضة بعده ولده أخــزم الذي نذره للكعبة وقام بخدمتها مع أخـــواله من جرهم وأعقب أخزم علي الإفـــــاضة ولده من بعده في زمن جرهم وخــزاعة حتى انقرضــوا “(10). وفي العصر القرشي صارت الإفاضة في عدوان بن قيس بن غيلان بن مضر (11). لهذا سميت أعمال الحج جميعها بالمناسك ؛ “ وأصل المنسك في كلام العرب هو الموضع الذي يعتاده الإنسان ويتردد إليه إما لخير أو شر قال ولهذا سميت مناسك الحج بذلك لترداد الناس إليها “(12).
وظل أمر العرب علي هذا التقليد والأتباع في شأن الحج حتى عهد سيادة قريش علي البيت زمــان قصي بن كلاب ، “ وكـــــانوا علي دينين حلة وحمس ، فالحمس قريش ومن والاها من كنانة وخزاعة والأوس والخزرج وقضاعة وجديلة وغطفان وعدوان وغيرهم من قبائل العرب سموا بذلك لتحمسهم في دينهم (13)، والحماسة : الشجاعة ، والأحمس : الشجاع أو لأنهم احتموا بالحمساء وهي الكعبة ، وكـانت قريش إذا زوجت عربياً من بناتهم شرطوا عليه أن كل من ولدت منه فهو أحمسي علي دينهم يرون ذلك أحفظ لشرفهم وأبسط لسلطانهم “(14).
وكانوا يؤدون مناسك الحج ، مع بعض التغييرات التي تطرأ علي أي عادة أو تقليد متبع ليس علي عقيدة ، فمن جملة ما تركـوا وغيـــروا عن سابقيهم الجرهميين ، أنهم تركوا الوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة إلي الوقوف بالقرب من الحـــرم جهة نمرة ، وعن عــــائشة قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة (15)، ويقول إبراهيم رفعت عن ذلك :
“ وقال الحمس لأنفسهم : لا تعظموا شيئاً من الحل كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العـــرب بحرمكم ، وقالوا : قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فتركوا الوقوف علي عرفة والإفاضة منها وجعلوا موقفهم بطرف الحرم من جهة نمرة يظلون به عشية عرفة ويفيضون منه إلي المزدلفة “(16).
وكانوا لا يسمحون لأحدٍ من الذين يدينون بالحلة أن يطوف بالبيت العتيــق إلا إذا لبس ثوباً من ثياب أحمسياً ، سواء بالشراء أو بالإيجـــار (17)، وعدد أشواط الطواف حول الكعبة عند الجـاهليين سبعـــة أشواط ، فقد كـــان الطواف سبعة أشــواط مقرراً عند غير العرب أيضــاً ، والعدد سبعة هو من الأعداد المقدسة المهمة عند الشعوب القديمة . والروايات التاريخية تذكر أن الطائفين بالبيت كانوا على صنفين ، صنف يطوف عرياناً ، وصنف يطوف في ثيابه . ويعرف من يطوف بالبيت عرياناً بـ “الحلة” ، أما الذين يطوف بثيابهم ، فيعرفون بـ “الحمس” ، وأضافت بعض الروايات التاريخية إلى هذيـــن الصنفين ، صنفاً ثالثـــاً قالوا أنه “الطلس” ؛ وقد وصفهم محمد بن حبيب بإنهــم بين الحلة والحمس ، يصنعون في إحرامهم ما يصنع الحلة ، ويصنعون في ثيابهم ودخولهم البيت ما يصنع الحمس . وكــانوا لا يتعرون حول الكعبة ، ولا يستعيرون ثياباً ، ويدخلون البيوت من أبوابها ، وكانوا مع الحلة ويصنعون ما يصنعون ، وهم سائر أهل اليمن ، وأهــل حضـــرموت ، وعك وعجيب ، وإياد بن نـــزار .
ويحكي ابن كثير عن طواف العراة بالكعبة وسببه ، فيقول :
“ وكانت العرب ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها وكانت قريش وهم الحمس يطوفون في ثيابهم ومن أعاره أحمسي ثوباً طاف فيه ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ومن لم يجد ثوباً جديداً ولا أعاره أحمسي ثوباً طاف عرياناً “(18).
ويعلل إبراهيم رفعت وجود طواف العراة بالبيت في الجاهلية ، “ فإذا ما أتي الواحد منهم [يقصد من يدين بالحلة] باب المسجد رجلاً كـان أو امرأة قال : من يعير مصوناً من يعير ثوباً إلخ فإن وفق لثوب أحمسي لبسه وطاف به وإن لم يوفق ألقى ثيابه بباب المسجد من الخارج ثم دخل عرياناً فيبدأ بأساف ـ صنم ـ ليستلمه ثم يستلم الركن الأسود ثم يأخذ عن يمينه ويطوف جاعلاً الكعبـــة عن يمينه فــإذا ختم طــوافه سبعاً استلم الركن ثم استلم نائلة ـ صنم ـ فيختم به طوافه ثم يخـــرج فيجد ثيابه كما تركها لم تمس فيـــــأخذها “(19).
ويبدو أن مثل هذه الروايات عن طواف العراة بالبيت ، وما قيل في تعليل سواد الحجر الأسود ، من أنه أسود ـ علي زعمت بعض الروايات ـ من حيض النساء عليه ، قد جعلت البعض يغالي في تصوراته الذهنية ؛ التي لا يوجد سند حقيقي يرجحهــا ؛ بأن يذهب إلي تصور وجود عبادة جنسية كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية ، ومركزها الكعبة المشرفة .
ولعل ما ذهب إلي سيد القمني في مصنفه “الأسطورة والتراث” ، من تصور وجود عبادة جنسية مركزها مكة (20)، مشيداً تصوره هذا علي استنتاجات لغوية لا تصلح لأن تكون دليلاً قاطعاً علي وجود مثل هذه العبادة ، ومستنـداً علي روايات ضعيفة قد يسردها المؤرخــــون والمفسرون في كتبهم في سياقات تنفي وجودها وتثبت ضعفها ، ومعتمداً علي استنتاجات بعض المستشرقين الذين لم يقفوا علي حقيقة الأمور في شبه الجزيرة العربية في تلك الأزمنة المبكرة ، وكذلك مقولات وكتابــــــات لفرويد وغيره يدعي برويهــا ـ سيد القمني ـ علميـــة منهجه وموضوعيته ، وقد أثبت علم النفس الطبي تجاوزه لهذه المقولات والكتابات التأسيسية في علم النفس وما بها من مغالطات تعود لأنها كانت محاولات تأسيسية أثبتت التجارب العملية والاستنتاجات النظرية اللاحقة قصورها . كل ذلك وهو يقيم علي نفسه الحجة ، بــأن مــا يذهب ـ سيد القمني ـ إليه من تصورات هو محض ترجيحات لا حقائق يمكن للباحث الركون إليها وإلي صحة زعمها ، إذ يقول شــاهداً علي نفسـه :
“ الحقيقة أننا لم نعثر بهذا الصدد [أنثوية الإله المعبود وتأسيسه اللغوي] علي مؤيدات واضحة ، إنما عثرنا علي مـــا يضع الأمـــر موضع الترجيح ، فقد جاءت لنا النصوص القتبانية بأسماء نساء دخلن سلك الكهنة وقدمن أنفسهن كمنذــورات للمعابد ، كمـــا جاءنــا *** من معين يصور إلهة علي هيئة امرأة تحمل سنابل في يدها اليسري ، وتنشر الخير فوق الجميع بيدها الأخرى “(21).
والنقوش التي حاول أن يرجح بها زعمه ، إنما هي تنتمي لسياقات علي أطراف الجزيرة العربيـــة ـ إذا ثبت صحة رويه وعدم اقتطــاعه من السياق النصي لل*** ـ يمكن أن تتأثر بسياقات حضارية أخري متاخمة لهذه الأطراف يوجد بها ما يدعيه من عبادة الأنثى ، غير أنه لا يثبت وجود مثل هذه العبادة بشعائرها الجنسية بشكل مركزي في مكة ؛ ولا يسمح السياق السردي لتاريخ الحج بمناقشة مثل هذه الأمور أكثر من هذا ، ويختم الباحث هذه المناقشة برواية ينقلها لنا إبراهيم رفعت عن العراة الذين طافوا بالبيت العتيق في الجاهلية ؛ تقول :
“ وجاءت امرأة أخرى تطوف عريانة وكان عليها مسحة من الجمال فرآها رجل فأعجبته فدخل الطــواف وطاف جنبها لأن يلمسهــــا فأدني عضده من عضها فالتزقا [التصقا] فخرج من المسجد من ناحية بني سهم عاريين علي وجوههمــا فزعين لما أصـــابهم من العقوبة ، فلقيهما شيخ من قريش خارجاً من المسجد فسألهما عن شأنهما فأخبراه بقضيتهما فأفتاهما أن يعودا إلي المكان الذي أصابهما فيه ما أصابهما ويدعوا الله سبحانه مخلصين عازمين علي ترك العود فرجعا ودعوا وأخلصا فافترقت أعضاءهما وذهب كل إلي ناحية “(22).
وقد ميزّ بعض العلماء بين الحمس ؛ وهم نزلاء الحرم ؛ وبين المتحمسين الذين دخلوا في الحمس ، لأن أمهاتهم من قريش ، بأن أطلقوا عليهم لفظة “الأحامس” ، بأن الأحماس من العرب هم الذين أمهاتهم من قريش . وتذكر بعض الروايات أن عقيدة الحمس لم تكن قديمة ، بل ظهرت قبيل الإسلام . وكانت قريش قبل عام الفيل فد ابتدعت أمر الحمس رأياً ، فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ، إلا أنهم قالوا : نحن أهل الحرم ، ونحن الحمس . ولم تذكر هذه الروايات التاريخية سبب ظهور الحمس ، ولا من أوجدها من رجال قريش .
وكان من عادة الحمس إذا أحرموا بالحج في الجاهلية أن لا يأكلوا السمن ولا يقربه في طعامهم ، ولا يمخضوا اللبن ، ولا يأكلوا الزبد ، ولا يلبسوا البر أو ينسجوه أو يغزلوه ، ولا يستظلوا به ، كما أنهم كانوا إذا أحرموا نقبوا دورهم من ظهورهـا فيدخلون منه ويخــرجون (23). يقول ابن كثير : “ وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وســـائر العرب لا يدخلــون من باب في الإحــرام “(24).
وكانت قريش قد عظمت أشهر موسم الحج أيضاً تعظيماً للحج ، بأن جعلوا منها أشهراً حرماً يحرمون فيهـــا القتـــال ، ولم يجرؤ علي نقض سلام هذه الشهور إلا مرة واحدة وصمها العصر القرشي باسم : حرب الفجار (25)؛ فكان الرجل منهم يــــلاقي قاتل أبيه أو أخيه في هذه الأشهر ، فلا يتعرض له (26)؛ “ وكانت أشهر الحج عندهم أشهر حرماً ، يعقدون فيها أسواقهم التجارية بجانب البيت وداخل حدود الحرم والناس يهرعون إلي هذه الأسواق ويؤمونها من جهات الجزيرة البعيدة ليقضوا منها حاجاتهم ، ويتزودوا لقومهـــم ، وقد ذكرت أسواق كانت في مكة يستدل بها علي ما وصلوا إليه من مدنية وتطور “(27). لعل أبلغها شهرةً وطرفاً ورقياً ، هي أسواق الشعر كسوق عكاظ .
“ وكان من عادة أهل الجاهلية أن يدخلوا الكعبة لابسي أحذيتهم حتى سن لهم الوليد بن المغيرة خلع الخف والنعل إذا ما دخلوا فاستن العرب بسنته إعظاماً للكعبة وإجلالاً “(28).
وكانوا يحرمون العمرة في أشهر الحج ، ويرونها أفجر الفجور (29)؛ وكانوا إذا أرد الرجل منهم أمراً كالسفر وغيره ، دخل الكعبة إلي هبل فستقسم بالأقداح ، وكان الذي يتولي أمر هذه الأقداح غاصرة بن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي (30).
هذا طرفٌ من تاريخ الحج وصورته قبل الإسلام ، ولعل الباحث يميل إلي ما ذهب إليه روبرتسن سميث ـ في محاضراته ـ إلي أنه لا بد من النظر في الديانات القديمة باعتبارها مؤسسات وليست عقيدة صارمة أو ديانة متكاملة ، وأن عـــادات الجــاهليين ـ دينهم القديم بحسب سميث ـ هي جزء من كيانهم الاجتماعي كانوا يعيشون في ظله يتوارثونها كما يتوارثون التزامانهم بمقتضي مكانتهم في عائلاتهم وقبائلهم ، وأن درجة تمسكهم بالعادات ـ الدين ـ يتوقف علي شخصياتهم وميولهم ، وأن أداءها كان بمثابة التزام اجتماعي للقبيلة التي ينتمي إليها (31).وربما هذا ما أدى إلي وجود عدد من البيوت التي كانوا يحجون إليها ـ كما ذكرنا سالفاً ـ وكان بعضها منافسة لقريش ، وبعضها مرتبطاً بصنم ، ولكنها لم تكن مثل البيت العتيق بالطبع الذي هو من وضع الله ـ عز وجل ـ وليس من وضع البشر لأغراضهم الاجتماعية والاقتصادية .
وكانت العرب قديماً تستخدم كلمة بيت بمعني المعبد ، وأما الكعبة فالبيت المربع ، وكل بيت مربع كعبة عند العرب ؛ كما ذكر جواد علي في “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” . وقد كان لربيعة بيت يطوفون به ، يسمونه الكعبات ، وقيل : ذو الكعبات ، وقد ذكره الأسود ابن يعفر في شعره ، فقال : “ والبيتِ ذي الكعبات من سنداد ” . وكانت البيوت / المعابد في الجــاهلية تتخذ للأصنــام ، وكان لبيوت الأصنام سدنة ، يحفظون الأصنام بها ويرعونها وينقلونها معهم حيث ترحل القبيلة ، فإذا نزلت نزلوا بها ليقيمـــوا لها الواجبات الدينية المفروضة في الخيمة المقدسة . حيث فرضت طبيعة البداوة على أصحابها هذا النوع من أنواع البيوت المقدسة .
وكانت بيوت العبادة عند العرب الجاهليين علي ثلاثة أنواع :
بيوت عبادة خاصة بالمشركين عبدة الأصنام ، وهم الكثرة الغالبة .
بيوت عبادة خاصة باليهود .
بيوت عبادة خاصة بالنصارى .
أما بيوت عبادة المجوس ، فقد عرفت في الجانب الشرقي من الجزيرة العربية ، وفي الجزء الجنوبي منها ، ولكن عباّدها هم من المجوس . فالمجوسية لم تنتشر بين العرب ، ولم تدخل بينهم إلا بين عدد قليل من الناس .
ويمكن تقسيم بيوت العبادة الجاهلية عند العرب إلي أنواع ؛ هي :بيوت عبادة كبيرة : وهي التي يحج إليها في أوقات معينة ، ومواسم محددة ، من مواضع قريبة أو بعيدة ، ويتقرب بها المتعبدون إلى ربها (صاحبها) ؛ أو أربابها ؛ بأداء واجب الخضوع والطاعة .
بيوت عبادة دون حج : وتكون أقل أهمية ومحلية النطاق في الأهمية والدرجة ، فهي دور عبادة أقامها الناس تقربـــاً إلى تلك الآلهة . وهي متفاوتة في الدرجة أيضاً ، فيها المعابد الكبيرة التي صرف على إقامتها مال كثير ، وفيها معابد بسيطة ، يقيمهــا النــاس تقرباً إلى أربابهم . ومنها ؛ بيت رئام ، وقد كانوا يكلمون منه وينحرون عنده ؛ وبيت العزى ، وكانوا يسمعون فيه الصوت ؛ والمنطبق وكان صنماً من نحاس يكلمون من جوفه ، فيأتيهم الجواب ؛ وبيت الجلسد صنم كندة وأهل حضرموت .
وإذا كان في استطاعة الباحث تحديد شكل البيت العتيق بمكة ، فإنه من الصعوبة بمكان تحديد هيئة بيوت الأصنام في المعابد الأخرى ، لعدم ورود نص يعين صفة تلك البيوت في الروايات التاريخية ، فلا يستطيع لباحث تحديد ما إذا كانت مكعبات أم على أشكال أخر .
وكما يذكر جواد علي في “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” ؛ فإن بعض معابد العرب الجاهليين قد عرفت بالكعبات ، ويبدو أن ذلك بسبب أن بناءها كان على هيأة مكعب كشكل بناء الكعبة ، وكان العرب يبنون بيوت الأصنام الكبرى على هذا النحو ، مثل كعبة سِنداد التي كانت علي هيئة قصر تحج العرب إليه ويطوفون حوله ، وقد عرف بالكعبات ؛ جمع كعبة ؛ وبذات الكعبات ، وذي الكعبات ، وكـان مركز حج قبائل بكر بن وائل و إياد ، وليس لدينا تفاصيل عن هذا المعبد وعن كيفيته وشكله وعن الأصنام التي كانت فيه . وقد ذكــر ابن الكلبي أن هذا البيت لم يكن بيت عبادة ، إنما كان منزلاً شريفاً .
وكان بنجران بيت عبادة عرف بكعبة نجران ؛ وهو بناء بُني على هيأة الكعبة ؛ وفي رواية تنسب لابن الكلبي ؛ أنها كانت قُبة من أدم من ثلاث مئة جلد . وتذكر الروايات التاريخية أن بني عبد المدان ابن الديّان الحارثي أقاموها هناك ، مضاهاةً للكعبة . وقد ذكر ابن الكلبي أن كعبة نجران لم تكن كعبة عبادة ، وإنما كانت غرفة يعظمها القوم من بني الحارث بن كعب ، وهم رؤساء نصارى نجران .
ونجد في كتاب “الأصنام” لابن الكلبي ؛ أسماء مواضع ذكر أنها كـانت بيوت عبادة حج إليهـــا العــرب حجهم لمكة . ففي طــائف بني بيت عرف باسم بيت الربة للات التي يقال أنها كانت صخـرة ليهودي يلت عليها ، وقيل أشياء أخرى عنها في “الأصنام” وغيره ، ولا يستبعد أن تكون صخرة مقدسة عند أهل الطائف كغيرها من الصخـور التي كان القدماء يقدسونها . وكان له قبة ، وكانت ثقيف تخرجها معها في الحروب .
أما العزى ؛ فقيل هي شجرات ، وقيل حجر كما ذكر الطبري وابن الكلبي وغيرهم من الرواة ، وكــانت قريش وبنو كنانة كلها تعظم العزى مع خزاعة وجميع مضر،. وكان سدنتها الذين يحجبونها بنو شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، وتشير رواية من زعم أن عمرو بن لحي قال لقومه : إن ربكم يتصيف باللات لبرد الطائف ، ويشتو بالعُزى لحر تهامة ؛ صحـت أو لم تصح ؛ إلى وجود صلة بين اللات والعُزى . وقد ذكرت العُزى بعد اللات في القرآن الكريم . وينسب ابن الكلبي بناء بيت العزى إلى ظالم بن أسعد ، وقد بناه ظالم بن أسعد بن ربيعة بن مالك بن مرة بن عوف ، لما رأى قريشاً يطوفون بالكعبة ويسعون بين الصفا و المروة ، فذرع البيت . ونص العباب وأخذ حجراً من الصفا وحجراً من المروة ، فرجع إلى قومه ، وقال : يا معشر غطفان ، لقريش بيت يطوفون حوله والصفا والمروة ، وليس لكم شيء ، نبنى بيتاً على قدر البيت ، ووضع الحجرين فقال : هذان الصفا والمروة فاجتزئوا به عن الحج . وكما يذكر جواد علي في “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” أن سدنة العزى كانوا من بني صرمة بن مرة ، أو من بني شيبــان بن جابر بن مرة بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن عتبة بن سليم بن منصور ، وكان آخر سادن للعزُى دبية بن حرمي السلمـي ثم الشيبـــاني ، قتله خالد بن الوليــد بعد هدمه الوثــن والبيــت وقطعه الشجرة أو الشجرات الثلاث ؛ حسب بعض الروايات .
والتفاصيل عن هذه البيوت ، من وصف غير دقيق لها يكاد يضطرب أحياناً ، ويتناقض من رواية تاريخية إلي رواية أخرى ، يجعل الباحث علي غير ثقة من أمرها ، رغم ما أورده ابن الكلبي وغيره عن سدنتها وموضعها والقبائل التي كانت تعظمها ، ومن روايات غيــر متواترة غير قطعية ، ويجعل الباحث يميل إلي ما ذكره جواد علي في “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” من أن الشرك وعبـادة الأصنام كانا نكوص عن التوحيد الذي دعا إليه إبراهيم عليه السلام ، وأن هذا الشرك ساق إليه الانحطاط الذي طرأ على عقائد الإنسان العــرب الجـاهلي ، فأبعده عن عبادة الله . والروايات التاريخية التي أوردناها في سياق حديثنا تشير إن هناك اتجاهين يفسران الشرك والوثنية التي كـــانت قبل الإسلام ، تتحدث الأولي عن أن الوثنية العربية كانت وافدة من خارج الجزيرة علي يد عمرو ابن لحي ، والثانية تشير إلي أن نشأت الوثنية العربية كانت محلية ناتجة عن تفاعلات اجتماعية واقتصادية (32)، ويري الفيومي الأخذ بالروايتين معاً علي أنهما متكاملتين ؛ أي يقدمــان تفسيراً واحداً بالتكامل بينهما (33).
أما بعد الإسلام ، فقد اختلفت الصورة كثيراً ، ليس لأنه أعاد المناسك إلي ما كانت عليه علي عهد من رفع القواعد من البيت ، وليس لأنه منع العراة من الطواف ، ولكن لأنه جعل للحج غاية روحية أسمى من العادة والتقليد الذي كانت العرب تمارس به الحج والعمرة .
وقد اختلفوا في متى فرض الحج ؛ فقيل : فرض سنة ست ، وقيل سنة سبع ، وقيل سنة تسع ، وقيل سنة عشر ، والمشهور أنه فرض في سنة تسع من الهجرة ، وكانت أول حجة للمسلمين سنة تسع ، وخرجت الرحلة بإمارة أبي بكر الصديــق ـ رضي الله عنه . واجتمع في هذا العام أن حج المسلمون بإمارة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه وإلي جوارهم حج المشركون . ثم بعث رســـول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بآيات من سورة براءة (التوبة) ، وأمره أن يؤذن بمكة وبمنى وعرفة والمشاعر كلها بأنه بـرئت ذمة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ من كل مشرك حج هذا العام أو طاف بالبيت عريان ، وجعل أجل من كـان بينه وبين رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عهداً أربعة أشهر . فسار علي ـ رضي الله عنه ـ على راحلته في الناس كلهم يقرأ عليهم القرآن { براءة من الله ورسوله } ، ليكون ذلك أخر عهد المشركين بالبيت العتيق (34).
ثم حج الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالنـــاس في السنة العــــاشرة من الهجرة ، الحجة المعروفــة بـــاسم
“حجة الوداع” التي توفي علي أثرها . فبين للناس بشكل عملي كيفية أداء مناسك الحج ، وكيف هي أعماله ، وخطب الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ في الناس خطبته المشهــورة باسم الحجة “خطبـــة الوداع” ؛
“ فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال أي يوم أحرم أي يوم أحرم أي يوم أحـــرم ؟ فقال الناس يوم الحــج الأكبر يــا رسول الله . قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا لا يجني جــــان إلا على نفسه ألا ولا يجني والد على ولده ولا ولد على والده إلا إن المسلـــم أخو المسلم فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله وإن كــل دم في الجـــاهلية موضوع وأول دم أضع من دم الجـــاهلية دم الحــارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غيـر ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ، ألا وإن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً ، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكــم من تكرهــون ولا يأذن في بيوتكــم لمن تكرهــون وإن من حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن “(35).ثم حج الخلفاء الراشدون بالناس بعد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ؛ ففي السنة الثانية عشر من الهجرة حج بالناس خليفة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ، ثم حج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بالناس طيلة فترة خلافته ، وكذلك عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ، غير أن علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ لم يحج لقصر فترة خلافته ولانشغاله بحروب الفتنة .
وفي عهد الخلافة الأموية ؛ حج معاوية بن أبي سفيان بالناس عدة مرات ، وكذلك الخلفاء : عبد الملك بن مروان ، والوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك .
وفي عهد الدولة العباسية ؛ حج الكثير من الخلفاء العباسيين بالناس ؛ كان أولهم الخليفة أبو جعفر المنصور ، كما حج بالناس : المهدي ، وهارون الرشيد ، والمأمون ، والمعتصم بالله .
وكان الخلفاء في الدولتين الأموية والعباسية ، إذا لم يحجوا بالناس ، أنابوا من يحج بالناس عنهم ، ويكون النائب هو أمير الحج في عامه . ومع زيادة رقعة البلاد الإسلامية ، أصبحت تنظم رحلات الحج وقوافله بمعرفة عمال الخلفاء في تلك البلاد .
وما زال الحجيج إلي يومنا هذا يأتون البيت العتيق من كل فجٍ عميق ، ملبين النداء ، هاتفين :
” لبيك* اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك” . الهــــــــوامش :* وَلَبَّيْكَ لَفْظُهُ مُثَنَّى وَلَيْسَ بِمُثَنًّى ؛ لأن لا وَاحِدَ له من لَفْظِهِ ، ولم يَقْصِدْ بِهِ التَّثْنِيَةَ بَلْ لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّلْبِيَةُ من لَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ . أَيْ أنا مُقِيمٌ على طَاعَتِك إقامة بَعْدَ اقامة
1 ـ راجع ؛ محمد إبراهيم الفيومي ـ في الفكر الديني الجاهلي ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ مصر ـ بدون تاريخ ـ ص 217 .
2ـ الشوكاني ـ فتح القدير ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 72 .
3ـ ابن كثير ـ تفسير ابن كثير ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص ص 184 ـ 185 .
راجع ؛ السيوطي ـ الدر المنثور ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 331 .
4ـ المصدر السابق ـ ص 185 .
5ـ
فالحج : هو الذهاب إلى الأماكن المقدسة في أزمنة موقوتة للتقرب إلى الآلهة ،والى صاحب ذلك الموضع المقدس . وهي كلمة تقابل كلمة Bilgrinage في الإنجليزية ، والحج بهذا المعنى معروف في جميع الأديان تقريباً ، وهو من الشعائر الدينية القديمة عند الشعوب السامية . وقد بين جواد علي في كتابه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” أن كلمة (حج) من الكلمات السامية الأصيلة العتيقة ، وقد وردت في كتابات مختلف الشعوب السامية ، كما وردت في مواضع من أسفار التوراة ، وهي تعني قصد مكان مقدس وزيارته .
6ـ راجع ؛ أبكار السقاف ـ الدين في شبه الجزيرة العربية ـ سلسلة نحو آفاق أوسع ـ الجزء الرابع ـ دار الأنتشار العربي ـ الطبعة الأولي ـ بيروت ـ لبنان ـ 2004 م ـ ص 41 .
7ـ روبرتسن سميث ـ محاضرات في ديانة الساميين ـ ترجمة : د. عبد الوهاب علوب ـ المشروع القومي للترجمة ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة ـ مصر ـ 1997 م ـ ص 98 .
8ـ أبكار السقاف ـ الدين في شبه الجزيرة العربية ـ مصدر سابق ـ ص 42 .
9ـ راجع ؛ إبراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 315 .
10ـ المصدر السابق ـ ص 315 .
11ـ إبراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 315 .
12ـ ابن كثير ـ تفسير ابن كثير ـ الجزء الثالث ـ مصدر سابق ـ ص 234 .
13ـ “ سموا الحمس لأنهم تحمسوا في دينهم أي تشددوا والحماسة الشدة في كل شيء ” .
ابن الجوزي ـ زاد المسير ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 214 .
14ـ إبراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 308 .
15ـ راجع ؛ ابن كثير ـ تفسير ابن كثير ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 243 .
16ـ إبراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 309 .
17ـ راجع ؛ المصدر السابق ـ ص 310 .
18ـ ابن كثير ـ تفسير ابن كثير ـ الجزء الثاني ـ مصدر سابق ـ ص 209 .
19ـ راجع ؛ إبراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 310 .
20ـ راجع ؛ سيد القمني ـ الأسطورة والتراث ـ سينا للنشر ـ الطبعة الثانية ـ القاهرة ـ مصر ـ 1993 م ـ ص 124 وما بعدها .
كذلك راجع تأسيه اللغوي لذلك ؛ ص 118 وما بعدها .
21ـ المصدر السابق ـ ص 121 .
22ـ إبراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 311 .
23ـ راجع ؛ المصدر السابق ـ ص 309 .
24ـ ابن كثير ـ تفسير ابن كثير ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 226 .
25ـ راجع ؛ أبكار السقاف ـ الدين في شبه الجزيرة العربية ـ مصدر سابق ـ ص 43 .
26ـ راجع ؛ إبراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 313 .
27ـ عبد الناصر بليح ـ الكعبة ودور آل سعود في تطويرها ـ العلم والإيمان للنشر والتوزيع ـ الطبعة الأولي ـ دسوق ـ كفر الشيخ ـ مصر ـ 2003/ 2004 م ـ ص 45 .
28ـ إبراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ـ الجزء الأول ـ مصدر سابق ـ ص 313 .
29ـ راجع ؛ المصدر السابق ـ ص 313 .
30ـ راجع ؛ المصدر السابق ـ ص 314 .
31ـ راجع ؛ روبرتسن سميث ـ محاضرات في ديانة الساميين ـ مصدر سابق ـ ص ص 29 ـ 30 .
32ـ كذلك راجع ؛ محمد إبراهيم الفيومي ـ في الفكر الديني الجاهلي ـ مصدر سابق ـ ص 223 .
33ـ راجع ؛ المصدر السابق ـ ص 225 .
34ـ راجع ؛ السيوطي ـ الدر المنثور ـ الجزء الرابع ـ مصدر سابق ـ ص 125 .
35ـ السيوطي ـ الدر المنثور ـ الجزء الثاني ـ مصدر سابق ـ ص ص 523 ـ
524 .
المصدر : موسوعة البيت العتيق