الأثري والمؤرخ الفلسطيني وليد محمد العقاد..يستقبل المتحف وفودا أجنبية وعربية والاحتلال يعرقل التنقيب ويطلق النار على من يقترب من بعض المواقع اقتطع نصيبا من أرضه وقوت أبنائه ليؤسس متحفا في خان يونس
الأثري والمؤرخ الفلسطيني وليد محمد العقاد لـ"الأنباء"..
يستقبل المتحف وفودا أجنبية وعربية.. والاحتلال يعرقل عمليات التنقيب ويطلق النار على من يقترب من بعض المواقع
بجهود شخصية، ومن ماله الخاص، قام الأثري والمؤرخ الفلسطيني "وليد محمد العقاد" بتأسيس "متحف العقاد للتراث والآثار الفلسطينية، بقطاع غزة ، وتحديدا في مدينة خان يونس، على قطعة أرضية مقتطعة من بيته، مساحتها حوالي 400 متر مربع.. وعلى الرغم من صغر مساحته وقلة الموارد التي يشتغل بها، وكذا عرقلات الاحتلال لعمليات التنقيب والبحث الأثريين في فلسطين، فقد استطاع هذا المتحف ان يضم بين جدرانه آثارا نفيسة.. يصل عددها إلى حوالي 2850 قطعة أثرية، ترمز إلى مختلف العصور التي تعاقبت على هذه الأرض المقدسة، ابتداء من العصر البدائي.. "الأنباء" حاورت صاحبه..
من هو السيد وليد محمد العقاد ؟ ولماذا متحف العقاد للآثار والتراث؟وليد العقاد من مدينة خان يونس مواليد 1949 باحث في علم الآثار ومؤرخ فلسطيني، مؤسس ومدير متحف العقاد للتراث والآثار الفلسطينية، قمت بتأسيس المتحف للمحافظة على التراث الفلسطيني وإبراز الجوانب المضيئة في التاريخ الفلسطيني وحمايتها من السرقة والضياع، لأن كل قطعة من هذه القطع الأثرية والتراثية توثقني بأرضي، وتوثق أرضي بي، فكيف انسي ارضي وحقي وتاريخ شعبي؟ وفي الوقت نفسه، يعتبر هذا الانجاز التاريخي والثقافي والحضاري واجبا وطنيا، واقل ما يقدمه فلسطيني لشعبة ووطنه.
تبرعت من ممتلكاتك الخاصة لإنشاء هذا الصرح الثقافي كيف جاءتك الفكرة؟ وكيف حققتها؟نعم، لقد تبرعت بقطعة أرض موروثة عن آبائي وأجدادي لبناء هذا الصرح التاريخي، حتى تأخذ كل قطعة حقها في العرض والمشاهدة، وبطرق علمية سليمة، أما بالنسبة إلى الفكرة فقد جاءت بعنوان وهو الغيرة الوطنية على تراثنا وآثارنا وتاريخ فلسطين الكنعاني العريق، عندما كنت أرى بأم عيني تعسف الاحتلال وسرقاته وتزويره للآثار والتراث الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه يعتبر هذا العمل مرافعة قانونية أمام كل من يدعي ملكيته لهذه الأرض، فكلما جئنا ببراهيننا على التصاقنا الأزلي بالأرض، وعلى حياتنا المزدهرة فيها، وتمثل الحضارات التي وطئت أرضنا غازية أو عابرة، كلما تعززت براهين جدارتنا في الاستقلال والحرية. أما عن تحقيقها، فكانت بوصية من والدي، عندما أوصاني على سيف هندواني يعود إلى جدي الأكبر، وقال لي: "هذه أمانة فحافظ عليها"، وعمر السيف حوالي 450 عاما، توارثه والدي عن أجداده، فمن هنا بدأت الفكرة تكبر كل يوم، وعشقي وحبي لتراثي الفلسطيني يزداد...
ما هي أنواع الموجودات، والى أي عصر تنتمي؟ان هذا المتحف به عدة أقسام: قسم التراث، وقسم الآثار، وقسم الحروب التي شهدتها فلسطين على مر الأزمنة والانتفاضة ضد الاحتلال الغاصب، وقسم النقود.
ـ قسم التراث: نصب أمام المتحف بيت شعر للإنسان العربي القديم الذي كان يسكنه، وفية جميع أدواته التقليدية، بالإضافة إلى كل ما كان يعيش عليه آبائي وأجدادي، ويستخدمونه في حياتهم اليومية على هذه الأرض .
ـ قسم الآثار : في هذا القسم توجد فيه مقتنيات تعود إلى عدة عصور، منها العصر الحديدي 1200 ق.م. ومن الموجودات لهذا العصر جرار فخارية وأوان صغيرة فخارية. آثار من العصر اليوناني (الفترة اليونانية ) 332 ق.م، ومن موجودات هذا العصر شاهد لقبر من الحجر الكلسي، توجد علية كتابة بالحروف اليونانية، ومعناها "راحة النفس عند الموت"، بالإضافة إلى نقود معدنية من الفضة، تعود إلى العصر اليوناني 332 ق.م، تحمل على أحد وجهها رسما بارزاً لطائر البوم، الذي يعبر في الثقافة اليونانية عن الحكمة، كما يعبر عن القوة والشموخ الذي وصلت إليه قوة الدولة اليونانية في ذلك العصر. أما الوجه الثاني لهذه العملة فيحمل رسما بارزاً لوجه الإله أثينا بأشكال متعددة .
ـ العصر الروماني 63 ق.م، ومن موجوداته أوان حجرية من البازلت الأسود، وهي عبارة عن أطباق كبيرة الحجم، إضافة إلى هون كبير لهرس الحبوب، وجرار فخارية وقوارير فخارية صغيرة الحجم، توجد كذلك نقود معدنية لهذا العصر.
ـ العصر البيزنطي 350م، يوجد لهذا العصر تابوت من الرصاص اللين، يعود إلى شخصية مهمة في ذلك العصر، وعليه رمز الصليب ....
ـ العصور الإسلامية، منها العصر الأموي: موجوداته دينار من الذهب، كتب على الوجه الأول "لا اله إلا الله محمد رسول الله"، وفي الوجه الثاني عبارة "الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ضرب هذا الدينار سنه 107هـ".
ـ العصر العباسي: موجوداته دينار من الذهب، كتب على الوجه الأول "لا اله إلا الله وحده لا شريك له" وعلي الظهر "الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد".
ـ العصر الفاطمي: موجوداته دينار من الذهب، كتب على الوجه الأول "محمد رسول الله أرسله الله بالهدى ودين الحق ضرب سنة 370هـ".
ـ العصر الأيوبي: من 590 إلى 648 هـ، الموجودات: نقود معدنية برونزية، كتب على الوجه الأول "يوسف ابن أيوب".
كيف تبحثون عن الآثار وتجمعونها؟ هل تعتمدون على متخصصين أم هو جهد شخصي منكم؟قمت بهذا العمل (أي البحث عن الآثار) بمجهود شخصي وذاتي، ومن قوت أولادي، والبحث يكون في المناطق الحدودية شرق مدينة خان يونس، بعد تجريف قوات الاحتلال لهذه المناطق الغنية بالآثار، لأنها مناطق مرتفعة، والحضارات القديمة كانت تختار وتسكن هذه المواقع الإستراتيجية، والسبب في ذلك هو اكتشاف العدو من على مسافات بعيدة ..أما بالنسبة لهذا الجهد فلا أعتمد على احد، بل إن هذا العمل كان سراً أثناء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وهو مجهود شخصي وذاتي، وانتماء وعشق حقيقي لهذه الأرض المقدسة .
هل تلقيتم مساعدة من أفراد الشعب لدعم هذه المبادرة الجميلة (ممن مازالوا يحتفظون بممتلكات قديمة متوارثة عن الأجداد)؟ وكيف يتفاعلون مع المتحف؟نعم لقد ساهم البعض من أفراد الشعب الفلسطيني بالتبرع ببعض الممتلكات التراثية عن الأجداد والآباء، ووضعها في هذا المتحف ..أما التفاعل مع هذا المتحف، فيقوم الكثير من أفراد الشعب بزيارة هذا المتحف، وخاصة طلاب المدارس والجامعات، ووفود أجنبية وعربية، للتعرف على التراث الفلسطيني وعلى الحضارة والثقافة الفلسطينية.
ما هو ابرز اثر تحصلتم عليه حتى الآن؟ابرز اثر حصلنا علية هو اكتشاف تابوت من الرصاص اللين، يعود إلى شخصية مهمة في ذلك العصر، وهو العصر البيزنطي 350م، ويبلغ وزنه 105كلغ.. بالإضافة إلى قطعة من الفخار (قارورة) تعود إلى العصر الحديدي 1200 ق.م، وهذه القطعة من مدينة أريحا، وهي أقدم مدينة في التاريخ، عمرها 9000 عام.
هل شمل التنقيب منطقة واحدة حيث يتواجد المتحف؟ أم توسع ذلك إلى مناطق أخرى من ارض فلسطين؟البحث والتنقيب لم يشمل منطقة واحدة، بل شمل مناطق عديدة من فلسطين منها مدينة أريحا، وهي أقدم مدينة في التاريخ، كذلك قطاع غزة الذي أعيش فيه، منها مثلا مدينة غزة ومدينة خان يونس ومدينة رفح والكم الأكبر من مدينة خان يونس.. لأنها غنية بالمواقع الأثرية.
لماذا قسم لتحنيط الزواحف والطيور ؟ وماذا يحوي؟قمت بإنشاء هذا القسم لتحنيط الزواحف، منها ثعبان الكوبرا، وبعض أنواع من الطيور، منها طائر الفلامنجو وطائر البجع والطاووس.. والسبب في ذلك هو ان يتعرف كل فرد من أفراد الشعب الفلسطيني على الطيور النادرة التي تعيش في فلسطين .
ما هي الأخطار التي تهدد التراث الفلسطيني؟ وهل يساهم الاحتلال في عرقلة المسألة؟ان الأخطار التي تهدد التراث الفلسطيني هي التزييف والتخريب والتدمير من قبل الاحتلال الإسرائيلي لبعض المواقع الأثرية، في قطاع غزة وباقي مدن فلسطين، والتخريب والتدمير يشمل المواقع الأثرية في قطاع غزة، سواء كان بقصف الطائرات الإسرائيلية أو بالتجريف من قبل الجرافات الإسرائيلية للمناطق الأثرية، وخاصة في المناطق الحدودية. كذلك يقوم الاحتلال بعرقلة عمليات البحث والتنقيب والكشف عن المواقع الأثرية، وخاصة في المناطق الشرقية الحدودية، إذ يطلق النار فورا على كل من يقترب من هذه المواقع الأثرية.. كذلك تهويد مدينة القدس بأعمال التخريب والتجريف والتهويد وحفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى لهدمه..
ما هي الوضعية العامة للآثار الفلسطينية بشكل عام؟ وما الذي يجب تداركه وفعله لإنقاذها؟الوضعية العامة للآثار الفلسطينية لم تأخذ حقها، لا في التنقيب ولا في المحافظة عليها، بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، كذلك عدم السماح لفريق علماء الآثار من الدول التي تساعد وتتبرع بأجهزة خاصة بالتنقيب والكشف عن الآثار. أما الذي يجب تداركه وفعله لإنقاذها هو المحافظة على المواقع الأثرية بقدر الإمكان، حتى ولو كانت جهودا ذاتية، لأنها تمثل حضارة وتاريخا وهوية لهذا الشعب الفلسطيني الكنعاني العريق ...
كلمة للقارئ..أشكركم على هذا الاهتمام الكبير للتعرف على حضارة فلسطين، ما زالت حضارتنا الفلسطينية تفاجئنا، وما خفي كان أعظم، فكل الاحترام والتقدير لجهودكم ولرسالتكم السامية، فهذا نضال في حد ذاته لأنكم تعيشون دائما وسط الحدث، وهذا أنبل وأشرف نضال ...
المصدر مجلة أصوات الشمال
2012-05-26