مصلحة التراث تحذر من الاعتداء على الموقع ببسكرة.. مطالب باسترداد ملكية أراضي "التهودة" التاريخية

مصلحة التراث تحذر من الاعتداء على الموقع ببسكرة..

مطالب باسترداد ملكية أراضي "التهودة" التاريخية

تفجرت مؤخرا ببسكرة قضية ملكية أراضي محاذية لمنطقة "التهودة" التاريخية ذات البعد الإسلامي في فترة الفتوحات، وقد رفع عدد من السكان شكاوى رغبة في استعادة ملك عقار، يقولون إنه يعود للعائلة والأجداد، مستندين لوثائق حيازة تعود لعشرات السنوات، حيث لا يزال يطالب هؤلاء السلطات المحلية باستعادة أراضيهم غير المحتوية على آثار لكنها تضم الموقع الأثري. وتأتي مطالب بعض السكان القاطنين بجوار منطقة "التهودة" عقب إطلاق مديرية الثقافة، تحت إشراف مصلحة الآثار وحماية المواقع الأثرية، مشروعا لإنجاز سور إسمنتي يغطي إقليم المنطقة الأثرية التي تحمل بصمة تاريخ انتشار الدين الإسلامي بالمغرب العربي، تحت قيادة الفاتح عقبة ابن نافع الفهري، ومن هنا اشتكت بعض العائلات من محاولة حيازة أراضيها من خلال السور الإسمنتي، فيما لاتزال مديرية الثقافة لاتعترف بمطلب هذه العائلات، حيث أكدت رئيسة مصلحة حفظ الآثار السيدة ربيعة حبة لـ"الجزائر" أن عملية حماية منطقة "التهودة" قانونية بعدما استفادت المنطقة من تصنيف سنة 1996 م يوفر لها الحماية العمومية. وأوضحت نفس المتحدثة أن تحديد المساحة الإجمالية لموقع "التهودة" كان بناء على عملية مسح أثرية بجهاز "جيو رادار"، شهر أفريل سنة 2008، من طرف مختصين من مخبر الآثار بولاية غرداية وبحضور مهندس معماري، تبين أن المساحة الإجمالية التي تحمل الآثار الباطنية والسطحية تبلغ 15‪ ,61 هكتارا، شرع في إحاطتها في الفترة الأخيرة بسور استكمالا لإجراءات توفير لها الحماية، بعدما قامت مديرية الثقافة بوضع دراسة وإشهار لدى المجلس الشعبي البلدي بسيدي عقبة، كما أنه فتح سجل معارضات بالبلدية المعنية لاستقبال المعارضات من مواطنين القاطنين داخل إقليم منطقة "التهودة" في المدة التي يحددها القانون، لكن لم تسجل اعتراضات ولم تظهر ملكيات خاصة لأراض عقارية بحدود منطقة "التهودة" المتنازع عليها اليوم. وأضافت رئيسة مصلحة الآثار أن القضية المثارة لم يعد لمديرية الثقافة شأن فيها، لأن جميع الإجراءات المتخذة لتحويل ملكية منطقة "التهودة" عبر المساحة التي أجري عليها المسح الأثري تمت وفق شروط قانونية، وأي تعد سيسجل في حق السور أو منطقة "التهودة" يعتبر تعديا على ملكية عمومية تحظى بجميع حقوقها القانونية لمتابعة المعتدي عليها. وأوضح مصدر مطلع على الشؤون القانونية بخصوص النزاع حول عقارات حدودية بـ"التهودة" أنه على بلدية سيدي عقبة تحمّل مسؤولية النزاع وحل القضية وفق الإجراءات القانونية، إما بتعويض أصحاب الأراضي، أو ما شابهها من إجراءات. ومعلوم أن قرية "تهودة" الأثرية القديمة، تقع شرق مدينة سيدي عقبة على بعد 5 كلم، وبحوالي 17 كلم عن عاصمة الولاية، واستنادا للمراجع والأبحاث التاريخية التي أجراها عدة باحثين ومثقفين، فإن "التهودة" لها ماض عريق قبل أن يرتبط اسمها بالفتوحات الإسلامية، حيث أشار الكثير من الباحثين إلى أن "التهودة" سكنها البربر ومر عليها الرومان وصارت بلدة رومانية تحت اسم مو***يا. وخلال القرن الثالث ميلادي أضحت تكتسي أهمية بالغة بفعل موقعها على خط اللميس الذي يمتد من قلعة بسرياني مرورا بمنطقة بادس ووصولا "التهودة" التي يرقد فوقها حصن بيزنطي لاتزال آثاره مردومة تحت التراب إلى اليوم. وقد أخذت منطقة "التهودة" تاريخها الإسلامي ومجدها إثر احتضانها لأكبر وآخر معركة قادها على أرضها الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع، بعد قطع قائد جيوش الإسلام مسافات طويلة ودخل المغرب الأوسط عن طريق الصحراء حاملا راية الإسلام، أين كانت فصول أشرس معركة بين أكثر من 300 مقاتل وصحابي يقودهم عقبة ضد جيش البربر بقيادة كسيلة، وأسفرت عن استشهاد عقبة ومن رافقه بمنطقة "التهودة" التي استمر فيها القتال لعدة أيام متتالية. وأفادت بعض الأبحاث بخصوص المعركة أن عقبة كان يقاتل في ذلك الوقت على جبهتين، الأولى ضد نظرائه من الفاتحين الإسلاميين المعارضين له من جهة، وضد البربر، وهو السبب، حسب الباحثين، في تلقيه هزيمة نكراء في "التهودة"، بعد تشتت جيش المسلمين الذي كان يضم حوالي 5000 مقاتل على عدة جبهات ميدانية. وقد ارتبطت منطقة "التهودة" بالمملكة البربرية التي كانت تتزعمها الكاهنة لفترة زمنية طويلة. وتتحدث الروايات الشعبية المتداولة إلى اليوم عن قيام الكاهنة ومن معها من بربر، قبل موقعة القتال على أرض "التهودة" ضد المسلمين، باقتلاع وإحراق المئات من أشجار الزيتون العامرة بالمكان، وعمدت لإبادة الكثير من الماشية، ظنا منها أن جيش عقبة بن نافع غرضه من غزو منطقة "التهودة" التابعة لمملكتها الاستحواذ على خيراتها. تجدر الإشارة إلى أن منطقة "التهودة" سجلت بصفة رسمية بعد اعتماد تصنيفها وحمايتها بشكل قانوني، واستفادت من أول عملية حفرية وتنقيب ودراسة ميدانية من طرف مختصين في الآثار وطلبة من معهد الآثار بالجزائر العاصمة شهر ماي من العام الماضي، بغية معرفة المزيد عن الإرث الثقافي الإسلامي وبعض الخفايا التاريخية المردومة تحت الأرض، إذ أثبتت حفريات أجريت قبل عدة سنوات بأن منطقة "التهودة" تحتوي بمحيطها على مواقع تاريخية لا يستهان بها، كما أوضح ذلك تصنيف لمبار الذي أشار لموقعين هامين معروفين بالكدية الجنوبية والكدية الشمالية، اللذين يبعدان عن "التهودة" بـ1‪,3 كلم، واكتشف أنهما يدخران مادة السرميك بمختلف أنواعها، وتم اكتشاف صنفين من الجدران تم بناؤها بمادة الحجر الخاص وبتقنيات تعود للعهد الماضي البعيد، ويتعلق الأمر بالطوب الطيني المربع، واحتواء الموقعين كذلك على عدد كبير من شظايا متنوعة من الأثاث والأدوات المستعملة آنذاك، حيث تنتثر بقياها وأجزاؤها بالمكان، والتي تدل، حسب تشخيص الباحثين، على أن بعضها يمثل بقايا مطاحن حجرية اعتمد عليها لطحن القمح، وجزيئات مختلفة من الحجارة التي يعتقد أن الكثير منها لايزال ينام تحت الأرض بفعل العوامل الطبيعية بقرية وزنها من ذهب، تنتظر جعلها قطبا لتفعيل الحراك السياحي والاستكشافي المستمر.



المصدر جريدة الجزائر